سمراء تحاكي الليل.. تدغدغ نسيمه. علمته كتم السر فأغلق فمه. يسمع ويرى ولا يتكلم.. يراقب الأحبة الساهرين بعينها. يسترق السمع بأذنها.. سايرها مجبراً فجمالها طاغِ وجسمها باغٍ وشعرها ظلام ونظرتها أوان.
تغرد خارج سرب النساء لانها انثى وقليل من النساء اناث.
رأيتها ليتني لم أرها. تصطاد الرجال بعطر يحبس الانفاس تبحث عن مصدره الى ان تجد نفسك امامها. تنبهر وقوفاً وقوفاً بصمت. تعاين وجهها.. غمازاتها.. اسنانها البيضاء.، بشرتها السمراء..
عرفتها بنفسي وكذلك هي.. كلامها شعر وكأنها تغني فيروز.. أم كلثوم.. أسمهان.. اختلطت الاصوات والمقامات والقوافي.. صوتها يحمل القليل.. القليل من الدلع.
تحاول جاهدة ان تبدو طبيعية بلا غرور ولكنه يعاندها وينتصر عليها. ويكشف عن نفسه..
ها أنا ذا.. قالت انا الدكتورة.. لم اهتم ان اعرف اختصاصها فهناك ما اشغلني عن ذلك.. مددت يدي صافحتها.
تشرفنا. ويدي الاخرى تبحث عن (business card).
وجدته سلمته لها على امل التواصل ان كان لها حاجة.
تركتها وذهبت ووجهة رأسي الى الخلف وجسمي يسير لوحده بلا دليل. الى ان تلقفني زميل فأيقظني..
مرّت الأيام وتجمعنا صدفة اخرى. رأيتها اشد جمالاً مما كانت وأكثر نضارة. كل شيء بها أصبح أحلى وأجمل. إلا دلعها فقد كان.. كثيراً.. كثيراً. لم تتصنعه هكذا هي. كانت تلجمه في السابق. أما الآن فلم تستطع.
لا تتحمل كثرة المعارك لان لها قدرة محدودة والنصر ليس حليف الشجعان دائماً. لانه يوم لك ويوم عليك. لم استطع الاقتراب منها هذه المرة. فكل العيون ترقب من يدنو منها. وكأنها شبهة. بل انها شبهة. ولكنها محمودة فالجمال يجذب عشاقه.
وقفت مكاني اراقبها. تمعنت بها. دققت بأدق أدق تفاصيلها.. جسدها.. حركاتها.،. ابتسامتها.. شعرها.. لم اترك شيئاً الا اختزلته في الذاكرة. فكان ان وُلد الخيط الرفيع الذي خرج الى الحياة من رحم تلك اللحظة. احسست اني ملكتها. فتركت المكان وخرجت.
الآن لا احتاج الى رؤيتها ولا الى سماع صوتها لان الخيط الرفيع معي ينام على وسادتي ويتلحف غطائي فأصبح قطعة مني.
لو كنت أشرح ما ألقاه من حرق
ومن سقام ومن وجد ومن قلق
لم يبق في الأرض قرطاس
ولا قلم ولا مداد ولا شيء من الورق.