هل يمكن للكويت أن تخرج من دوامة سوء توزيع القوى العاملة الوطنية وتتخلص من التوظيف العشوائي في الوزارات والمؤسسات الحكومية، وتتخلص من هذا الترهل الذي بات يشكل عقبة اقتصادية كبرى؟ وهل فعلا نفذت الدولة المادتين 13و 14 من الدستور بأسلوب صحيح؟
قبل الخوض في ما نعتقده الجواب عن هذين السؤالين، نتوقف عند نص المادتين المذكورتين، تنص المادة الاولى على أن «التعليم ركن اساسي لتقدم المجتمع، تكفله الدولة وترعاه»، وتنص المادة الثانية على أن «ترعى الدولة العلوم والأداب والفنون وتشجيع البحث العلمي».
عندما تقر الدولة أن التعليم ركن اساسي لتقدم المجتمع لا يعني ذلك مجانيته فقط، إنما القصد من ذلك هو أن يتحول التعليم الى صناعة معرفية تتطور وفق حركة تطور العالم والعلوم، لان تقدم المجتمع يعني تطور الانسان، مفاهيمه وقدراته وتحسين ادواته الانتاجية على اسس علمية صحيحة، وهذا لا يتوفر اذا لم تكن هناك مؤسسات تعليمية تؤدي دورا تربويا بالاضافة الى التعليم، ولهذا فان المادة 13 لا تتحقق بالكامل اذا لم تطبق المادة التي تليها. في الشكل يمكن القول أن الدولة حققت ما ورد في المادتين لكن في المضمون ذلك لم يتحقق لان التعليم عندنا لم يجعل الخريج في مستوى العصر، بل مناهجنا التعليمية لا تزال قاصرة عن تزويد المتعلم بالمعرفة اللازمة، وذلك بسبب غياب الاستراتيجية التعليمية الصحيحة، وليست الاستراتيجية الارتجالية التي تعمل من خلالها وزارة التربية، اذ مثلا لم تتضح العلاقة بين المتعلم والمدرسة بالشكل الصحيح، ولم تلحظ هذه الاستراتيجية التطور العلمي الدائم، ثم انها تفتقد الى التوجيه الصحيح للمتعلم الى الاختصاصات التي يحتاجها المجتمع، وهذا كله جعل بعض المهن تشهد طفرة فيما هناك نقص كبير في مهن اخرى، وهذا بدوره ظلم العديد من خريجي الجامعات الذين وجدوا انفسهم يلتحقون بوظائف لا تتناسب مع تخصصاتهم، وحتى لا نبالغ فان ازمة القبول التي تتجدد سنويا في جامعة الكويت، بالاضافة الى ازمة الخريجين ايضا يمكن اعتبارها حلقة مفرغة ندور فيها كل سنة من دون أن نصل حل حد حقيقي لها، اذ أن أكثر من خمسة الاف طالب يدخلون سنويا الى سوق العمل من دون توجيه صحيح، بالاضافة الى ذلك، وفقا لما اعلن سابقا عن أن نحو 20 الفا سيتخرجون من الجامعات سنويا بحلول العام 2035 لن يجدوا فرصة عمل، فهل لحظت كل هذه القضايا في استراتيجية وزارة التربية؟ واذا كانت لحظت لماذا نشأت المشكلة اذن؟
نفتقد في الكويت الى الذهنية الاستثمارية في المجال المعرفي، فالاستثمار في التعليم كصناعة معرفية لا يعني انشاء مدارس و جامعات خاصة فقط، بل يعني أن تكون كل المؤسسات التعليمية قادرة على صقل شخصية المتعلم في المراحل ما قبل الثانوية، وان تتحول في المرحلتين الثانوية والجامعية الى محفز على الانتاج المعرفي ومشاركة المتعلم في صياغة الرؤية المستقبلية لمجتمعه، وهذا ما يحاول الشباب الكويتي اليوم البحث عنه، واما من خلال حراكهم الذي يعتبره البعض متمردا، أو انسياقهم خلف تجار السياسة على امل أن يحقق لهم هؤلاء حلمهم في المشاركة بصياغة مستقبل بلدهم، او عبر مبادرات فردية في ظل غياب واضح لدور الدولة في رعايتهم بما يتناسب مع الدستور ومع حاجاتهم وطموحاتهم.
اذا كانت هناك رغبة حقيقية في الوصول الى مجتمع كويتي متطور فان ذلك لن يتحقق إلا بالصناعة المعرفية والاستثمار الصحيح في هذا المجال، اي استثمار المال والعقول، وهذا ما يجب أن ندركه حتى نحقق ما نريد.