المبدعة التونسية فاطمة بن محمود من أشهر أعمالها لا توقظ الليل وأحلام تمد أصابعها، وتعود إلى قرائها برواية جديدة ذات عنوان لافت الملائكة لا تطير الصادرة عن دار رؤية، وفيما يلي دردشة معها حول الرواية.
بداية.. كيف كانت عملية التحضير للكتابة؟
انشغلت بقضية الختان بالدرجة الأولى وقبل أن أكتب أعددت ملفا حول هذا الموضوع فدرست الختان في ثقافات مختلفة و ركزت على المقاربة الدينية كما قرأت روايات كتبت حول هذه الثيمة.
وما الذي حفزك لمعالجة هذه الثيمة تحديدا؟
من أهم الأحداث التي عشناها زمن الترويكا هو قدوم الدعاة لإعادة فتح تونس من جديد و لعل أبرز زيارة أثارت الكثير من الجدل هو حضور الداعية المصري وجدي غُنيم الذي صاحبه ضجيج كبير حول ختان البنات وقد صدم الكثير من الناس على اعتبار انه وقع تحويل قضايا العدالة الاجتماعية و الكرامة و حق المواطنة التي أقيمت من أجلها الثورة و أصبحنا نتحدث عن قضية مفتعلة ليس لها علاقة بالواقع أو بالعلم أو بالمنطق و صعقت شخصيا و أنا أرى من يدافع عن فكرة ختان البنات و يبرّر لها من رموز الأحزاب الإسلامية .. بالنسبة لي كامرأة تونسية كاتبة لا يمكن أن أترك هذا الحدث يمرّ بشكل عادي و لا أريد أن ينسى الناس مثل هذا الجدل العقيم الذي أرعب خاصة النساء .. لذلك التقطت هذه اللحظة و حوّلتها إلى عمل أدبي فكانت الملائكة لا تطير.
لكن موضوع الختان معروف في بعض المجتمعات مثل مصر والسودان أكثر منها في تونس!
بالفعل.. وقد يعترض البعض على تلك القضية من منطلق أن هذا الموضوع ليس سائدا في تونس و بالتالي ليس من الوجاهة ان أتحدث فيه و أعتبر من جهتي انه يتنزّل ضمن كرامة الانسان وقيمته وهي قيم انسانية و الانتصار لهذه القيم يعني ان نواجه كل تفكير ظلامي متطرف وكل عادات المجتمع السلبية التي تمس من هذه القيم . وقناعتي أنه في الأدب لا يوجد موضوع يستحق ان يكون رواية و موضوع لا يستحق ذلك.. كل المواضيع ممكنة والذي يصنع الفارق هو الصنعة الفنية والاختيارات الأسلوبية التي تجعل الكاتب قادرا على إقناع القارئ فيصدّق ما يقرأه و يتفاعل معه .
هل يزعجك وصف روايتك بأنها جريئة أو قد تكون صادمة للبعض؟
من المفترض أن تكون الرواية جريئة.. وأعتقد أن ختان البنات يعتبر من ضمن التابوهات في المجتمعات التي تمارسه لذلك حتى التناول الأدبي كان يقارب هذه الثيمة بشيء من الخجل.. وفي روايتي تناولته بجرأة دون أن اسقط في المباشرة لأنني ضد الكتابة البورنوغرافية.
ألا تخشين من رد فعل التيار المحافظ؟
بالعكس.. أول من قرأ مسودة الرواية هو متديّن (وهو معلم ابنتي) واخترته عمدا لأجسّ نبض الرواية وأتأكد من عدم تحاملي على هذه الشريحة من الناس التي جعلت البطل ينحدر منها و يقوم بختان لطفلته.
هل أردت الانتقام من التيار المحافظ والانتصار لخصومه عبر النص؟
لا.. لا أنتصر للحداثيين و إن بدوت كذلك و إنما حاولت أن أنتصر للانسان، و في هذه الرواية لست ضد الدين وهناك من سيفهم ذلك و لكن كنت ضد التفكير المتشدد وضد العادات الاجتماعية البالية و ضد الجهل المركّب الذي يصنع إنسانا كسيحا.
أيضا تقاربين في روايتك ما يسمى بثورات الربيع العربي.. فما الذي جذبك إلى هذه الأجواء؟
بالنسبة لي أعتقد أن أحداث ما سمّي بثورة أو بربيع عربي تعتبر من أهم المراحل التي عاشها الشعب التونسي و العربي ولاتزال براكينها لم تخمد بعد، و أجد في هذه المرحلة مخزونا هاما من الأحداث ونماذج مختلفة من الشخصيات التي يمكن أن تغذي ذهن كل مبدع . دور المبدع هو تسجيل تلك الأحداث أدبيا و في ذلك هو يختلف كليا عن المؤرخ أو الصحفي لأن طريقته تختلف فهو يتناول الحدث و يضفي عليه من مخيلته بما يجعله يقول الواقع دون أن يسقط في المباشرتية أو المحاكاة .
إلى أي مدى يهيمن عليك الهم التونسي في نصك الجديد؟
صراحة كل الشخصيات والأحداث التي تحفّ بها تونسية وسيجد القارئ فيها المتطرف دينيا والحداثي والمتسلّط و السلبي .. كل الشخصيات يحرّكها صراع و تنمو في ظل تناقضات عميقة. وحاولت ان افكّك سرديا بنية التفكير المتشدّد و أنزّله في سياقه النفسي والمعرفي و لذلك مواجهتي كانت مواجهة فكرية و ليست انفعالية .. لم أعمل على أن أقتص من التطرّف الديني بل عملت على معالجته و تحليله و التصدّي له وفق زاوية فنيّة محددة.
وما التقنية الأساسية التي اعتمدت عليها في السرد؟
اخترت تعدّد الأصوات و أعتقد ان الموضوع هو الذي فرض عليّ اعتماد هذه التقنية فوجود شخصيات متناقضة مع ذواتها ومتناقضة مع بعضها جعلني أمنح كل شخصية صوتها الخاص لتعبّر به عن مواقفها وعن تفاعلاتها وانكساراتها. وفي خاتمة الرواية أعددت مفاجأة للقارئ لأنه لا أحد يجد النتيجة التي يتوقعها و لعل لعبة مخاتلة القارئ التي ترافقني في كتابة القصائد و القصة أحملها معي أيضا في كتابة الرواية و ربما هذا يعتبر أحد الخيوط الناظمة في كتاباتي المتنوعة.
هل يشغلك رد فعل القارئ أو الناقد على كتابتك؟
لا أفكر كثيرا في الناقد رغم اهتمامي بالكتابة النقدية كما لم أفكر كثيرا بالقارئ و لم أحاول استدرار عطفه بل كتبت رواية لمتعتي الشخصية ولأنتصر فيها لأفكار أؤمن بها.. و حتى أؤكد للحياة أنني لست عابرة سبيل فيها.
برغم أنك كاتبة تونسية لكنك اخترت التعاون مع دار مصرية!
فضلت التعاون مع دار رؤية المصرية وصاحبها رضا عوض.. نظرا للصيت الذي تشهده إضافة إلى حرفيتها و مشاركاتها الدائمة في كل معارض الكتاب وهو ما يضمن تسويقا للرواية في بلدان عديدة.