loader

آراء

تصغير الخطتكبير الخط العودة أرسل  ارسل إحفظ  إحفظ إطبع  إطبع PdfPdf

وقفة

دولة الإمارات الشقيقة... عام ووزير للتسامح


لا داعي للتشاؤم؛ فكل المؤشرات تؤكد ان قادتنا وحكوماتنا ومجتمعاتنا الخليجية قد وعت وأدركت خطورة التيارات والافكار الاقصائية والتكفيرية، ومخاطر ثقافة التعصب والكراهية وعدم قبول الآخر، والتي تتجلبب عادة بجلابيب الدين، وأدركت في الوقت نفسه ضرورة التحرك بكل جدية لمواجهتها والتصدي لها والعمل على اجتثاثها، وارساء القواعد والاسس اللازمة لتعزيز قيم ومبادئ التسامح والتعايش والتعددية والتنوع والحرية الدينية والفكرية، وبادرت بالفعل بتحرير معتقداتنا الدينية وتخليصها من براثن او قبضة القراصنة الذين اختطفوها وحاولوا تجريدها من قيمها السامية والتي على رأسها التسامح والتعايش والتعاون والتآخي.
فثمة انجازات باهرة وملموسة حققتها بنجاح دولنا الخليجية في هذا المضمار في السنوات الاخيرة لا يسع المجال الى استعراضها، وقد سبق لنا في اكثر من مرة ان تطرقنا الى ما حققته وأنجزته مملكة البحرين، التي اطلقت الاسبوع الماضي مشروع «مركز الملك حمد للسلام السيبراني للتسامح بين الشباب» في نيويورك بالولايات المتحدة الاميركية.
وسنكتفي بوقفة موجزة في هذه المحطة عند تجربة دولة الامارات العربية المتحدة الشقيقة التي خصصت هذا العام (2019) «عام التسامح»، وهي الدولة الاولى والوحيدة في العالم، بحسب علمي، التي تبنت مثل هذه المبادرة التي تهدف الى تأكيد قيمة التسامح باعتبارها مكونا اخلاقيا ومنطلقا جوهريا يحكم كل العلاقات الانسانية بين افراد المجتمع الواحد والمجتمعات فيما بينها على امتداد رقعة تواجدها الجغرافي، وعلى اختلاف مكوناتها الثقافية واعتباراتها الانسانية، وذلك في اطار من احترام وتقبل الآخر ضمن مجتمع متعدد ومتنوع الثقافات والهويات.
وتدرك دولة الامارات ان ثقافة التسامح تسهم ايضاً في تعزيز الازدهار والنمو الاقتصادي فيها.
وفي اطار اهداف هذه المبادرة فان دولة الامارات تسعى الى تأسيس وتثبيت مكانتها كـ «عاصمة عالمية للتسامح» وهي مؤهلة لذلك؛ فهي دون شك احد النماذج اللامعة في التسامح والتعايش حيث يعيش على ارضها الطيبة اكثر من 200 جنسية تنعم بالحياة الكريمة والاحترام والمحبة والمساواة.
وخلال زيارتي الاخيرة لدولة الامارات تنقلت بين مدينتي ابوظبي ودبي ورأيت كيف يتم تنفيذ هذه الرؤية او هذه المبادرة خلال هذا العام حسب خطط وبرامج عمل موزعة على خمسة محاور رئيسة وهي:
الاول: تعميق قيم التسامح والانفتاح على الثقافات والشعوب في المجتمع من خلال التركيز على هذه القيم لدى الاجيال الجديدة.
الثاني: ترسيخ مكانة دولة الامارات عاصمة عالمية للتسامح من خلال مجموعة من المبادرات والمشاريع الكبرى منها المساهمات البحثية، والدراسات الاجتماعية المتخصصة في حوار الحضارات.
الثالث: التسامح الثقافي من خلال مجموعة من المبادرات المجتمعية والثقافية المختلفة.
الرابع: طرح تشريعات وسياسات تهدف الى تعزيز قيم التسامح الثقافي، والديني، والاجتماعي.
الخامس: تعزيز خطاب التسامح، وتقبل الآخر من خلال مبادرات اعلامية هادفة.
وقد انبثقت هذه المبادرة في بادئ الامر من مقال كتبه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي في العام 2016م جاء فيه: «علمتنا السنوات الاخيرة في منطقة الشرق الاوسط «الجديد» بأننا نحتاج ان نتعلم التسامح ونعلمه ونمارسه، ان نرضعه لأطفالنا فكرا وقيما وتعليما وسلوكا، ان نضع له قوانين وسياسات ومنظومة كاملة من البرامج والمبادرات. نعم تعلمنا ذلك من مئات الآلاف من القتلى وملايين النازحين والمنكوبين الذين رأيناهم في آخر خمس سنوات في هذه المنطقة بسبب التعصب والكراهية وعدم التسامح الطائفي والفكري والثقافي والديني، لا يمكن ان نسمح بالكراهية في دولتنا، ولا يمكن ان نقبل بأي شكل من اشكال التمييز بين اي شخص يقيم عليها او يكون مواطنا فيها، لذلك عيّنا وزيرا للتسامح».
وبالفعل فقد تم استحداث «وزارة التسامح» وهي الاولى من نوعها في المنطقة وعلى مستوى العالم بأسره، وأن وزير التسامح معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان يشرف الآن بنفسه وبشكل مباشر على تنفيذ كل الخطط والبرامج والانشطة المتعلقة بعام التسامح، ومنشغل بتعزيز ثقافة التسامح في المجتمع الاماراتي على الامداء القصيرة والمتوسطة والبعيدة.
وضمن فعاليات وخطة العمل فقد استُهل عام التسامح ببداية موفقة ومميزة وناجحة عندما استقبلت دولة الامارات في الثالث من فبراير قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية، في زيارة تاريخية هي الاولى للبابا لمنطقة الخليج العربي، والتي امتدت لثلاثة ايام، وشملت توقيع وثيقة الاخوة الانسانية مع فضيلة الشيخ الدكتور احمد الطيب الامام الاكبر شيخ الجامع الازهر، التي تدعو كل المؤمنين بالله وبالاخوة الانسانية الى الاتحاد والعمل معاً. وكنتيجة للزيارة ايضًا فقد اعلن الاسبوع الماضي ان العمل سيبدأ في انشاء اول معبد يهودي رسمي في الامارات والذي سيقع ضمن نطاق مجمع للأديان اطلق عليه «بيت العائلة الابراهيمية» في ابوظبي وسيضم مسجدا وكنيسة للمسيحيين الى جانب المعبد اليهودي وسيكتمل بناء المشروع في العام 2022م.
وخلال تواجدي في دبي قبل بضعة ايام، وضمن سلسلة الانشطة والفعاليات المتعلقة بعام التسامح تم اطلاق مسابقة «التسامح في صورة» شراكة بين «جائزة محمد بن راشد آل مكتوم للتسامح» وجريدة البيان الاماراتية من اجل ابراز صور التعايش واحترام الآخر والقيم المشتركة للثقافات، وعبر استخدام الابداع كوسيلة مؤثرة.
وفي تصوري فان اهم مكونات او اهداف مبادرة عام التسامح في دولة الامارات هو استهداف الشباب في مرحلة مبكرة من عمرهم ومن على كراسي مدارسهم لتكريس قيم التسامح والتعايش السلمي لديهم وتنمية السلوك الاجتماعي المتسامح وتحقيق الفَهم والاحترام للثقافات والحضارات المختلفة، وتتم ترجمة هذه الاهداف من خلال برامج نوعية في المناهج الدراسية والانشطة المدرسية، وفي هذا الاطار فقد تم اطلاق مشروع مشترك بين وزارة التسامح ووزارة التربية والتعليم تحت عنوان «على نهج زايد» الذي يركز على تعزيز قيم التسامح والتعايش السلمي، وقبول الاختلاف، واحترام الآخر، والتواصل الايجابي بين طلاب المراحل المختلفة بمراحل التعليم كافة في المدارس الحكومية والخاصة، اضافة الى وضع الخطط والمبادرات للتواصل بين المجتمع المدرسي في المدارس الخاصة والحكومية، بما يُحَول ما يدرسه الطلاب من قيم ومبادئ تتعلق بالتسامح الى ممارسة عملية يمكن تطبيقها على ارض الواقع من خلال الانشطة الطلابية المشتركة بين المدارس الحكومية والخاصة.
ونتمنى ان تبادر وزارات التربية والتعليم في باقي دول مجلس التعاون الى تبني واطلاق مثل هذه المبادرات والبرامج والخطط الهادفة الى غرس القيم السمحة وتأصيلها في نفوس وعقول ابنائنا الطلبة بالتأكيد على القيم الانسانية في الحوار والتسامح والاعتدال، بغية تنشئة جيل متعلم متسامح قادر على ادراك التنوع الثقافي والتعايش الايجابي ومقاومة تيارات الكراهية والتفرقة والعنف والارهاب.


إضافة تعليق جديد

التعليق الوارد من المشارك أو القارئ هو تعبير عن رأيه الخاص ولا يعبّر عن رأي جريدة النهار الكويتية

عرض التعليقات