loader

آراء

تصغير الخطتكبير الخط العودة أرسل  ارسل إحفظ  إحفظ إطبع  إطبع PdfPdf

رأي عراقي

عندما يصبح الدين فناً


لم يستطع العرب تقديم فن حقيقي، إلا في مرات قليلة من خلال أعمال حملت فكرة ورسالة.. وأما الباقي فقد غلب عليه الاسفاف والتفاهة، وفي أحسن حالاته كان عبارة عن دراما أو كوميديا سطحية، لا تحقق شيئا سوى إضحاك الجمهور، ورغم أنه هدف ليس معيبا، لكنه كان يمكن أن يحقق أهدافا أخرى، ولا يخرج عن إطاره الكوميدي الممتع..
امتلك المسرح العربي وخصوصا العراقي منه، مكانة متميزة نتيجة لرصانة ما كان يقدمه من نصوص، وقدرات ادائية متمكنة لأسماء، كانت تجيد ما تقدمه بحكم خبرتها وشغفها بالمسرح نفسه، يضاف له مقبولية و«تذوق» لدى الجمهور لهذا النوع من الفن، وفشل بقية أنواع الفنون في تحقيق شيء يذكر..
لكن هذا المسرح اختفى سريعا، بعد أن تسلق خشباته «الغجر وراقصاته» وبدأ بعض ممن «يحسبون» على الفن بمجاراته طلبا «للقمة العيش» أو تفسير سقوطهم الأخلاقي والفني، بأن الجمهور هو «عايز كده».. وهي كذبة مفضوحة، يبررون بها سقوطهم أما أنفسهم قبل المجتمع..
القضية لا تخص المسرح وحده بل كل الفنون، فهذا إنتاجنا الدرامي لا شغل له إلا العلاقات الغرائزية، وتسويق نماذج «معوجة» لمكونات المجتمع ومرتكزاته من أسرة وقدوات، وتلميع صور السراق والمخادعين وأثرياء الحرب، وتقديمهم كنماذج تعيش حياة ممتعة وجميلة، تستحق ما يفعلونه كوسيلة لنيلها..
رغم بعدنا عن الفن ومجالاته كتخصص، لكن معظمنا نشأ وهو معجب بنوع ما من الفنون، وخصوصا المنتجة غربيا.. ويندر أن تجد من لم يكن يوما ما معجبا بأفلام هوليوود، ومدى حرفيتها وتقنيتها العالية.. لكننا قد لا نعلم أن كل تلك الأفلام كانت تحمل أجندات وأفكارا، حتى لو كانت من أفلام الكوميديا أو «الأكشن» وربما كنا نجهل ذلك ربما لسذاجتنا..
لنعد ونتذكر قليلا الأفلام التي كنا نشاهدها، هل انتبهنا مثلا إلى أنه في كل تلك الأفلام، كان هناك أحد أبطال الفيلم «الطيبين» ديانته يهودية!.. وإن لم يكن كذلك، فسيكون ملحدا ممن لا يعترف بوجود الدين والخالق!.. هل تظنون أن ذلك عفوي أو عشوائي، أو حصل لضرورات فنية؟!
هل يعلم أحد فينا، كم من الأفلام تم تمويله وإنتاجه من قبل وزارة الدفاع أو الخارجية في دولة ما؟!.. أقول لكم إنها بالعشرات، وكلها تركز على صناعة نموذج جميل لبطل، من خلال ترسيخ صور متكررة في أذهان المشاهدين.. وهناك منظومة للتفكير والتسويق لها، بشكل ثانوي من خلال لقطات ومواقف صغيرة هنا وهناك، في فيلم أو مسرحية أو عرض ما..
الأمم والمجتمعات التي لم تستطع الدول الكبرى، غزوها عسكريا أو اقتصاديا أو سياسيا، نجحت في غزوها ثقافيا من خلال الفن، وصارت هي من تتحكم بذوقنا وطعامنا وشرابنا وتعاملاتنا وأخلاقياتنا، وربما وصلت حد التأثير في معتقداتنا وديننا.. من خلال أفكار بدأت زراعتها قبل عشرات السنين، وأدوات عدة واحد منها كان الفن..
القضية ليست انسياقا «لنظرية المؤامرة» بقدر ما هو تحليل واقعي لما نراه ونعيشه، من تغير في الذوق العام والطبع المجتمعي والسلوك اليومي، لمجتمعاتنا مقارنة بما كانت عليه قبل عشرين أو خمسين سنة.. وظهور صراع واضح بين ما كنا نعتقده من دور لمعتقداتنا وديننا وثقافتنا في حياتنا، وما صار عليه هذا الاعتقاد الان..
عندما ننجح في أن نجعل ديننا فنا يشاهده أولادنا وجيلنا القادم، ويفهمون حقا ما يقدمه من قيم ومعتقدات سامية، وما يمتلكه من نماذج وقدوات حقيقية للإنسان الصالح، عندها فقط يمكننا القول إننا أمم تملك قيما ومعتقدات وحضارة تفتخر بها، وتستطيع ترجمتها لأفعال ونقلها لأجيالها القادمة.. وإلا فنحن أمة لا تمتلك إلا كلمات تتاجر بها.


إضافة تعليق جديد

التعليق الوارد من المشارك أو القارئ هو تعبير عن رأيه الخاص ولا يعبّر عن رأي جريدة النهار الكويتية

عرض التعليقات