لنشوء الاستبداد ونهج الدولة البوليسية أسباب لم يتطرق لها الكواكبي في كتابه «طبائع الاستبداد»، ربما لاختلاف العصر، منها موجب ويقوم به بعض المصلحين من الحكام كحال ما قام به لي كوان يو ومهاتير محمد في سنغافورة وماليزيا، حيث علما أن مشروعيهما النهضويين التنويريين السابقين عصرهما سيصطدمان بالغوغاء ويحارَبان من الفوضويين والرجعيين ومحاربي التغيير، ومن المستفيدين من بقاء الأوضاع المتخلفة؛ لذا عمد قياديو الإصلاح على استخدام نهج اليد الثقيلة والدولة البوليسية ضد من يقف عثرة أمام مسار العملية النهضوية والتنموية والوطنية، ولم توجه ضد العقلاء والحكماء والمفكرين والمثقفين والعامة.
***
مقابل ذلك تلجأ الأنظمة الفاشلة المحدودة القدرات التي دمرت أفكارُها واجتهاداتها وحروبها الشعوبَ والبلدان، كحال ستالين وصدام والقذافي ومن سار على نهجهم للاستبداد والقمع الشديد ونظام الدولة البوليسية؛ لمنع أي انتقاد أو طلب كشف للحقائق ومحاسبة من تسبب بالدماء المهدورة والأموال المنهوبة والبلدان المدمرة، ولا يترك هؤلاء المستبدون بلدانهم إلا وقد ملؤها بالدماء والأحقاد والكراهية، فتسوء الأحوال بعدهم... بسببهم!
***
آخر محطة:
كما أن هناك ديموقراطيات معمِّرة، كحال ديموقرطيات الدول المتقدمة، وديموقرطيات مدمِّرة كحال ديموقراطيات العالم الثالث، فهناك أنظمة «مستبدة معمِّرة» لا بمعنى الظلم بل بمعنى فرض الإرادة «الإصلاحية» والتنويرية على شعوب ساد عليها الجهل والتخلف، ولو تركت لحالها لما تقدمت أو احتاجت لقرون للتقدم. يقابل ذلك كحال الديموقراطيات المتخلفة، الاستبداد المدمر كحال الجمهوريات العربية القمعية المدمرة التي قامت على أنقاض الأنظمة الملكية العربية المعمِّرة.
بالخلاصة على المفكرين والمثقفين العرب دعم أي مشروع تنويري نهضوي عربي، حتى لو لم تصاحبه صناديق اقتراع، وتخذيل أي مشروع رجعي متخلف حتى لو تدثَّر برداء الديموقراطية الزائف!