لم يتشكل إقليم كردستان العراق، بطريقة اعتيادية، باستفتاء للشعب الكردي مثلا، أو قرار برلماني أو تعديل دستوري، وإنما كان أمرا واقعا فرض على النظام الصدامي بعد انتهاء حرب الخليج والانتفاضة الشعبانية، وما حصل من تحديد مناطق محمية بعد خطي العرض «23 و37» ثم أقر الدستور العراقي الجديد واقع الحال هذا!
بعد سقوط النظام وتشكيل الحكومات المتعاقبة، كانت أحزاب الإقليم تتعامل مع المركز كوحدة واحدة، فرغم اختلافاتها السياسية وعدم توافقها بشكل كامل، إلا أنها حافظت على وحدة التوجه والمطالب في التعامل مع المركز، خصوصا بما يتعلق بمطالب حصة الميزانية، وتمويل قوات البيشمركة، والمناطق المتنازع عليها، ونفط الإقليم، لتضاف لها ورقة ضغط جديدة.. استقلال الإقليم.
كانت تلك الملفات أوراق ضغط متبادلة بين الإقليم والمركز، ووسيلة للمناورة والابتزاز السياسي بين الطرفين، وفي غالبها كانت لأغراض حزبية، وخصوصا خلال إقرار القوانين المهمة، أو تمرير الميزانية أو تشكيل الحكومة، والحق يقال أن أحزاب الإقليم لعبت أوراقها بكل احتراف، فكانت تعرف كيف تحقق مطالبها، بالاستفادة من حاجة الأحزاب لاستخدام الكرد كورقة ترجيح ضد بعضها، أو إكمال نصاب مطلوب أو تمرير التشكيلة الحكومية.
رغم كل الاتفاقات التي كان بعضها يحوي جوانب غير معلنة، أو شفوية لم تطبق على أرض الواقع فعلا، إلا أن الكرد استمروا بعملهم وبكل هدوء في بناء منظومة نفطية شبه متكاملة، أتاحت لهم مختلف الخيارات في التعامل حول هذا الملف مع المركز أو بعيدا عنه، وبالتنسيق ومن خلال عقود «رسمية أو غير معلنة» مع تركيا وجهات أخرى..
ملف النفط والثروات في الإقليم كما في العراق كان ملغما، برغبة سياسية «محلية ودولية» أن يبقى هكذا، لعدم وجود إرادة حقيقية لحسمه، ربما ليبقى أداة ضغط وابتزاز بيد الطرفين وضدهما.. فالإقليم يفسر الدستور من وجهة نظره، ويرى أن تصديره للنفط وبيعه حق ضمنه له الدستور، وأنه فعل ذلك بعلم الحكومة المركزية، وكانت الحكومة ترد بأن الإجراء هو أقرب للسرقة، وأنه مخالف للدستور وخطوة من الإقليم نحو الاستقلال.. ثم جاء التحكيم الدولي ليغير كل قواعد اللعبة، ولتدخل تركيا على الخط!
الحسابات الواقعية تقول إن الدولة الكردية حاليا «الحلم» لا تملك مقومات الوجود والاستمرار، عسكريا أو اقتصاديا أو إقليميا، على الأقل خلال السنوات العشرة القادمة، وأن الغرب وأميركا لن يدعموا وجود هكذا كيان حاليا، لتعارض ذلك مع مصالحهم ومخططاتهم.. وهذا يدفعنا لنتساءل عن أسباب التصريحات الاستفزازية والمتحدية، التي يطلقها بعض الساسة الكرد مؤخرا؟ وهل هي فعلا حقيقية أم ماذا؟
كلنا مقتنع أن الإقليم لا يمنعه من الانفصال عن العراق فعليا، إلا مصالحه وتيقنه أن العيش ضمنه بشروطه أفضل له حاليا، ناهيك عن عدم توفر المتطلبات الإقليمية للقبول بدولة كردية مستقلة حاليا، خصوصا بعد ما رافق عملية الاستفتاء من تداعيات، أضرت بالإقليم.. كما تعلم الحكومة أن نفط كردستان لن يكون تحت سيطرة المركز عمليا إلا باتفاقات ترضي الأكراد، وهو أمر يصعب تحقيقه واقعيا، لمطالب غير ممكنة التنفيذ وظروف تتعلق بطريقة الحكم في المركز والإقليم..
الدولة الكردية «حلم» ولا مانع من أن يحلم أي شخص ولا ضرر، هكذا وصفها الرئيس الراحل الطالباني، في واحدة من كلماته الصريحة، وكما يبدو فإن الكرد اقتنعوا وإن لم يصرحوا، أن هذا الحلم اليوم وفي الظروف الحالية، هو أبعد ما يكون عن التحقق، وبالتالي لم تعد ورقة الاستقلال نافعة في التفاوض السياسي مع المركز، خصوصا مع قرب إجراء الانتخابات المحلية، فما هو البديل!
يبدو أن قضية كركوك وعودة الأحزاب الكردية لها، بشكل أكبر مما هو عليه الأن، وتعالي التصريحات المتشنجة والانفعالية، من جانب شخصيات محسوبة على الحزب الديموقراطي بزعامة السيد البارزاني، هي الورقة الأفضل خصوصا لحملة انتخابية محلية.. مع ملاحظة أن المحافظة تهم الاتحاد الوطني بزعامة السيد بافل طالباني!
السنوات العشرون التي مضت، أثبتت للجميع أن كركوك لن تتبع للإقليم، ولن تكون تابعة للمركز بشكل كامل، وسيكون لها وضع خاص بها، حتى لو عنى هذا أن تبقى «معلقة».. لكن هذا لا يعني ألا تحاول كل الجهات دون استثناء، أن تحقق نقاطاً ومواطئ قدم في المحافظة، خلال الانتخابات المحلية القادمة.