حين يشعر الطفل بالوحدة وسط عائلته، وبعد أن تدفعه رغبة والده في التخلص من أحد القيود التي تشكل له عائقاً في يومه وفي تواصله مع محيطه ولكي يكون قادراً على التعبير عن نفسه، وبرغبة من الطفل ذاته في محاولة منه لأن يحرر صوته من خلال الكتابة، ويكتشف شعوراً مختلفاً وكأنه يقف أمام المرآة وينظر إلى نفسه للمرة الأولى، يتأمل ملامحه ويتحسس ملمسها ويتعرف عليها، هو الذي كان ينظر إلى نفسه وللعالم من خلال عيني عائلته، ويسمع ما يمليه عليه والداه ومعلموه فقط، فتكون هذه هي المرة الأولى التي يشعر بها بملكيته الخاصة لتلك الحواس وتلك النفس.
بسؤاله من أنت؟ يتوقف ليسأل هل أنا اسمي فقط أم أن لي حلماً واهتمامات ورغبات ومشاعر؟، هذه الأسئلة ينتج عنها سؤال في ذهنه يهمله بعض الآباء، من هو في عين أهله؟ وماذا كان يسمع منهم خلال سنوات التنشئة؟
من الطبيعي أن يجتهد الوالدان في تربية أبنائهما، ولكن هناك من يجتهد في تلبية احتياجات طفله الخاصة والتي تتناسب مع تكوينه النفسي والعقلي، وهناك من يبذل جهده لأن يتناسب ذلك الطفل مع الطابع المجتمعي، وأن يكون صورة طبق الأصل من أقرانه، لا يشبه نفسه ولا يتحدث عنها بل يشبه من حوله ويتحدث بعقلية الجميع.
على الوالدين أن يكونا أكثر انتباهاً فإن لكل طفل احتياجاته الخاصة به، وإنه بحاجة إلى أن يصغى إليه فيعبر عن نفسه وعن مشاعره، ويسرد يومياته ويناقشها معهما، وأن يجد الاهتمام حين يتحدث ويلقى الاحترام حين يطلب، فلكل طفل صوت يجب ألا يقمع، فمن حقه أن يعبر عن نفسه، ومن حقه أيضا أن يعرف حجم الحب الذي يحمله أبواه إليه، فذات يوم سوف يكبر ويخرج للمجتمع قليل الثقة في نفسه، يحمل معه شعوره بالوحدة أينما ذهب، أو قد يساق وينصهر أمام أول من يبدي الاهتمام إليه وإن كان مع الشخص الخطأ.
امنح طفلك الحق في التعبير والتقدير، سانده اليوم كي تتكئ عليه غدا، فقلبه لن يخذلك، سوف يرد لك جميل حسن اعتنائك به.