اختتمت مساء أمس الثلاثاء، بالقاهرة فاعليات ندوة إطلاق التقرير العربي الثاني عشر للتنمية الثقافية والتي نظمتها مؤسسة الفكر العربي بالتعاون مع وزارة الثقافة المصرية ممثلة في المجلس الأعلى للثقافة وشهدت خمس جلسات نقاشيّة تناولت ثلاثة محاور رئيسة اتسمت بالسخونة والثراء الفكري بمشاركة نخبة من كبار المثقفين المصريين والعرب.. كما تضمنت جلسة افتتاحية وأخرى ختامية تحدث فيها كل من د. هنري العويط مدير عام مؤسسة الفكر العربي ود. هشام عزمي الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة بمصر.
الفكر الاجتماعي
وشهد يوم أمس «اليوم الثاني للفاعليات» مناقشة محور الفكر الاجتماعي العربي في مطلع القرن الحادي والعشرين حيث أدار الجلسة النقاشية أستاذ علم الاجتماع في جامعة القاهرة د. سعيد المصري، وشارك فيها
الدكتور فريدريك معتوق عميد متقاعد لمعهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية، ود. وحيد عبدالمجيد مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية، ود. محمد المعزوز مدير الأكاديمية الأوروبية العربية للدراسات الجيوستراتيجية في باريس، ودعت الجلسة إلى ضرورة وجود علم اجتماع جديد في المنطقة العربية يأخذ من نظرية ابن خلدون ويكون قائما على احترام الأصالة العربية والتراث القديم، ومعالجة القصور المؤسسي وعدم توافر البنية المعرفية التي ينتجها الباحثون في المنطقة العربية.
قصور مؤسسي
وقال د. سعيد المصري، إن العلوم الاجتماعية تواجه مشكلات في الحقيقة في الدول العربية، ونشأت في الغرب وتطورت تطورا كبيرا هناك، والمنطقة العربية لا تحزو نفس تطور العالم، وهناك قصور مؤسسي وفي البنية المعرفية التي ينتجها الباحثون في المنطقة العربية.
وقال إن السؤال الملح في الوقت الحالي هو هل العلوم الاجتماعية تحتاج إلى إعادة نظر؟ والإجابة نعم، ونحتاج تخصصات فرعية في تلك العلوم وهناك علم موجه للباحثين وعلم موجه للرأي العام، وهل يستطيع المشتغلون بالعلوم الاجتماعية العمل بجودة كبيرة، فنعاني قصورا في معايير الجودة العلمية وخاصة في مجال العلوم الاجتماعية وهو سبب عدم الوصول إلى المواطنين أو الشعوب، بسبب هذا القصور، ويجب أن يكون هناك حياد كامل في مناقشة العلوم التطبيقية والاجتماعية.
وقال الدكتور فريدريك معتوق عميد متقاعد لمعهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية، إن أول كتاب صدر في علم الاجتماع في المنطقة بالقاهرة كان عام 1924 ومؤلفه هو نيكولا الحداد، وكان انجازا كبيرا ولم يكن بالصدفة منذ 100 عام، ولابد أن نتوقف على كلمات مقدمة الكتاب، وعرف علم الاجتماع بأنه موضوع متنامي الأطراف ومعقد المواقف، في حين أن علم الاجتماع هو علم النسبية الاجتماعية.
البحث الميداني
وتابع أن البحث الميداني هو في الأساس علم الاجتماع، ونحن ننبهر بما هو وعلم الاجتماع لدينا مازال معرباً وليس عربيا حقيقيا مثل الموجود في أميركا وفرنسا وفي الخارج.
وأكد على أن ابن خلدون طرح علم العمران البشري وهو أهم من علم الاجتماع، وكلمة العمران في مقدمة ابن خلدون تشمل الاجتماع وأمور أخرى عربية.
جمود فكري
وتحدث د. وحيد عبد المجيد مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، عن العلاقة بين العلم والأيدلوجيا في العلوم الاجتماعية بشكل عام، وقال إنه باختصار شديد العلم معرفة قابلة للتصحيح أما الايدولوجيا غير قابلة للتصحيح وكاملة من وجهة نظر أصحابها.
وقال إن هناك أيضا جموداً فكرياً تعاني منه المنطقة العربية.
وقال الدكتور محمد المعزوز مدير الأكاديمية الأوروبية العربية للدراسات الجيوستراتيجية باريس وعميد كليه الآداب بمراكش، إن هناك تقارير عدة عن علم الاجتماع والتكنولوجيا، منها الجمعية الفرنسية والجمعية الاسبانية للعلوم الاجتماعية والرابطة الأميركية لعلم الاجتماع، والتي خلصت إلى أن علم الاجتماع اليوم يقف حائرا ومعطلا لإدراك الوضع الجديد والذي لا يمكن أن تدركها العلوم الاجتماعية اليوم، فأوصت الرابطة الأميركية بتقبل التكنولوجيا وللتعامل معها.
وساوس الفكر التربوي العربي
فيما أدارت د. محيا زيتون الجلسة التي أقيمت تحت عنوان «التربية والتعليم.. النظم والسياسات»، حيث ناقشت الجلسة وساوس الفكر التربوي العربي في القرن الحادي والعشرين، وكيفية إصلاح النظم التربوية والتعليمية في الدول العربية، والأدوار الجديدة للجامعات العربية، وأكد المشاركون في الجلسة وهم وزير التربية والتعليم الأسبق المصري د. أحمد جمال الدين موسى، ود. عدنان الأمين أستاذ متقاعد في العلوم التربوية في لبنان، ودكتور خالد عبد الفتاح موسى الخبير في مجال التعليم، على أن دول الخليج سبقت بقية الدول العربية في قضية التعليم بفضل القدرات المالية الكبيرة لهم، موضحين أن هناك تخلفا تربويا في المنطقة مقارنة بوضع التعليم في الدول الغربية، وبدون الحرية الأكاديمية العلمية والتربوية لا يمكن أن تنهض الجامعات العربية ، ولا يوجد بحث علمي فوق في المنطقة العربية لأنه يحتاج إلى وجود مناخ ديموقراطي حر معبر عن الجميع.
تهميش للعقول العلمية والتربية
وقال د عدنان الأمين أستاذ متقاعد في العلوم التربوية في لبنان، إن الفكر العربي كان سيتطور بعد انتهاء الاحتلال داخل الدول العربية، موضحا أن هناك انتصار للنزعة الإيديولوجية القومية التي سيطرت على الفكر العربي، وكان هناك سيطرة على التعليم في بعض الدول العربية من قبل توجهات محددة، وفي 1968 بدأت مصر التعبير عن الرأي في التعليم، ولاسيما اليسار الجديد وأصبح هناك صوت معبر عنهم في الدول للعربية.
وقال: يبقى الفكر الليبرالي في جذر محدودة فقط، وهناك تهميش للعقول العلمية والتربية، وسادت في العقدين الأخيرين وساوس الفكر التربوي وهو وهم عكس الخيال العلمي، وتقارير خبراء لا تنشر بالدوريات البحثية العلمية، لأنها تقارير غير علمية ويعيش صاحبها وسواس أنه خبير وعالم، وعلى الباحث أن يقيم عمله جيدا قبل نشره.
اصلاح مؤسسي
وقال وزير التربية والتعليم والتعليم العالي المصري الأسبق د أحمد جمال الدين موسى، أننا نحتاج إصلاح مؤسسي موسعا للغاية في جميع المجالات لرفع كفاءة المؤسسات المالية وتوفير نظم ضمان اجتماعي.
والمشكلة أن الدول العربية تحتاج إلى إصلاح مؤسسي تعليمي بشكل أكثر ذكاء، والإصلاح المؤسسي يجب أن يكون جديا في إطار رؤية تعزز اللامركزية وتقلل تركيز السلطات في أيدي قليلة، والحوكمة تأتي ضمن فكرة الإصلاح المؤسسي.
وقال إن النجاح التنموي في اليابان وكوريا الجنوبية يأتي بسبب الاهتمام بتطوير التعليم والنظم التربوية،وتحديات نظام التعليم العربي المعاصر، يجب تغيير أوضاع المعلمين وتطوير المناهج، وتعزيز قواعد الحوكمة في المؤسسات التعليمية، وتطوير الأساليب الدراسية.
وكشف عن أن دول الخليج نجحت في تطوير التعليم خلال السنوات الماضية مستغلة أوضاعها المالية بعكس دول مثل السودان والعراق وسورية على سبيل المثال، فالتعليم الأساسي ما زال يعاني من ظاهرة التسرب، ومصر تعاني من كثافة الفصول الدراسية في المدارس الحكومية.
الخليج والعملية التعليمية
وقال د. خالد عبدالفتاح حسن: إن الخليج تقدم بشكل ملحوظ في العملية التعليمية، والباقي مازال يحاول بسبب الأوضاع المالية وبرامج الإنفاق لديهم كبيرة جدا، ولا يمكن لأي سلطة عاقلة أن تتجاهل تطوير التعليم لتقدم المؤسسات بها. فيما أدار د. نبيل عبد الفتاح خامس الجلسات النقاشية للندوة والتي جاءت تحت عنوان «الفكر العربي وآفاقه المستقبلية».. حيث أكد عبد الفتاح على ضرورة تطوير أطر الفكر العربي بما يتلاءم مع مستجدات العصر بما يترتب على ذلك من ضرورة إتاحة المزيد من الفرص لتنامي فكر عربي وهو ما يتطلب مناخ تتسع فيه حرية الرأي والرأي الآخر.
وفي مداخلة تحدث د. محمد كمال عن العرب والتحولات الكبرى في النظام الدولي، مشيرًا إلى أن النظام العالمي شهد تحولات جذرية سواء سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا ما يتوجب علينا كعرب أن ندرك وأن تتفاعل مع هذه التحولات حتى يكون لنا دور بارز في النظام الدولي الجديد. وتحدث المهندس زياد عبدالتواب عن الفكر العربي والثورات الرقمية، مؤكدا أن هذه الثورات الرقمية التي تتسارع يوما بعد يوم تخلق تحديات جمة أمام الفكر العربي.
أما د. عبدالله السيد ولد أباه، فقد تناول إشكالية «الفكر العربي بين العروبة والكونية»، مشددا على أنه لا يوجد تعارض أو خلاف بين عروبتنا وبين كوننا جزءاً من العالم تؤثر ونتأثر به.. نتفاعل معه محتفظين بثوابتنا الثقافية ومنفتحين على كل الثقافات وأنماط الفكر الإنساني.