loader

آراء

تصغير الخطتكبير الخط العودة أرسل  ارسل إحفظ  إحفظ إطبع  إطبع PdfPdf

كل خميس

لـ«البيتِ» ربٌ يحميه


رغم الهدنة، ورغم هدوء «الأفاعي» مازال «الأقصى» في قبضة الظالمين، ومازالت القضية في حوزة المعولين طويلًا على المجتمع المسمى بالدولي، ومازلنا في ظل «كورونا» وما قبلها مرتهنين بالخارج، نؤتمر بأمره، نمشي على هداه، مازلنا رغم التجارب المريرة نحمل المجتمع الدولي مسؤولياته، حتى لا نتحمل نحن المسؤولية، ومازلنا في ظل الهدنة التي جاءت من أجل الهدنة لا نعلم على من تُطلق الرصاصة القادمة، ومن أي المنصات تنطلق صواريخ الرحمة.
رغم الهدنة التي حصلنا عليها بشق الأنفس والتي جاءت من أجل الهدنة، ننتظر بيتًا من هنا يسقط على سكانه في غزة، وآخر من هناك يكشر عن أطلاله في الضفة، رغم «كورونا» وما قبلها من تداعيات إقليمية مازلنا نتعاطى مع القضية وفقًا لسياسة «أقصى حد»، وذلك بعد أن فشلت سياسات فن الممكن، أو الحد الأدنى الذي لا يراعي التفاصيل باعتبار أنها ستظل مرتعًا للشياطين، ووكرًا للمرائين، ووطنًا للباحثين عن سبيل.
القضية الفلسطينية تراجعت من فوق المنصات لتعود أقوى مما كانت، رغم ذلك فإنها حولت الأبطال إلى مجرد وسطاء، والأشقاء إلى أصدقاء، وبني جلدتنا إلى ضيوف لمناطق الاحتلال، ومواقع الخلل، وجبانات أشجار الزيتون.
تحولنا بقدرة قادر إلى مشاهدين ولسنا مرابطين، إلى متابعين ولسنا مواجهين، إلى زائرين للفضاءات التي لا ترحم، ومتراجعين رغم أنوفنا في قضيتنا الوطنية الأساسية، لكن أحدًا من القائمين على القضية لا يريد أن يقترب منها مرابط أو مواجه، أو مقاوم، الجميع يسعون إلى سلام «الشجعان» الذي يودي بنا إلى مواجهات غير متكافئة ومناكفات غير متعادلة، وحروب من طرف واحد.
كنا نعول على الكبار في أمتنا، ومازلنا نراهن على شعوبنا، وكنا نعول على إيماننا بقضيتنا، ونزولنا إلى كلمة سواء لا يُراد بها سوى الحق، وكنا نقول: إن قضية العرب المحورية هي القضية الفلسطينية، وهي الأقصى وهذا حد أدنى، وكنا نرى أن رجولتنا في مقاومينا، وعزتنا في مقاومتنا لجنود الاحتلال وفلول المستوطنين، وكنا نتحرش بمشاعرنا لو ابتعدت بقضيتنا إلى حدود قضايا أخرى حاولت بعض المشاريع الإقليمية الدخيلة أن تفرضها على أمتنا فرضًا.
ما أشبه الليلة بالبارحة حيث مازلنا نعول على ما كنا نؤمن به، على ما كنا نعول عليه، أصبحنا عشاقًا للذاكرة، نستلهم منها العبر والدروس منذ الشيخ جراح وحيه المهيض في القدس، حتى عكا التي اتهم واليها منذ صلاح الدين بالخيانة العظمى ولا يوجد دليل عيني يؤكد هذه الخيانة حتى اللحظة.
و.. ارتأينا ونحن نعيش عصر «الهدنة» أن القدس هي قضية العرب والمسلمين، وأن المقدسات الإسلامية والمسيحية لابد وأن تخضع لإدارة فلسطينية وليست دولية، وأن حل الدولتين لا يمكن له أن يخصم من المعادلة المقدسة ويمنحها بدم بارد لمستوطنين من كل صوب وكل حدب وكل اتجاه.
مازالت بلادنا تؤمن بأن القضية المحورية سوف تظل محورية، وأن اعتكاف الأمة في معترك «كورونا» لم يغمض لنا جفنًا، ولم يبعدنا عن همنا العربي الأول، ولم يقصينا أبعد من ذلك من «أقصى» لا حول له ولا قوة إلى حل أقصى لا يضع البيت العتيق ضمن معادلاته الصعبة.
عندما هجم أبرهة الحبشي بافياله على الكعبة المشرفة وسرق الإبل التي كانت تحيط بالهالة القرشية «المباركة»، واجههم جد الرسول عبدالمطلب ابن هاشم ابن عبد مناف بمنتهى النخوة والرجولة والقوة، قال للحبشي: لقد سرقتهم الإبل وأنا ربهم، أما الكعبة المشرفة فلها ربٌ يحميها».
من هنا لن أخشى مثل غيري من المؤمنين على «البيت» تمامًا مثلما قال جد الرسول عليه أفضل الصلوات وأزكى السلام، لأنه لو كان للبيت العتيق رب يحميه، فإن لأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين رب يحميه، وإذا كانت الأمة قبل ظهور الإسلام على هذا القدر من التعافي والنخوة والإيمان بعزة وجلال الله، فإننا ونحن نعيش الإسلام منذ أكثر من 1450 سنة مازلنا مؤمنين والحمدلله بأن الله لن يترك «الأقصى» من دون طير أبابيل، ولن يترك سبحانه القدس وهي تغير جلدتها كل حين، ويتم تهويد ملامحها مع إطلالة كل صباح، أنها قادرة على الاحتفاظ بهويتها، وأن حي الشيخ جراح رغم جراحه، وهجمة الثعالب الضالة على أركانه ومقتنياته وأحيائه الفسيفسائية المؤمنة، لابد وأن يأتي يوم ليضمد جراحه من تلقاء نفسه، وأن ينهض من تحت اطلاله بقوة الإيمان، ومعجزة التاريخ، وأسطورة الذكرى، إن الشيخ جراح لم يمت، وحيه لن يموت، والكعبة التي لها رب يحميها، تمامًا مثلما هو «الأقصى» القريب له رب يحميه.


إضافة تعليق جديد

التعليق الوارد من المشارك أو القارئ هو تعبير عن رأيه الخاص ولا يعبّر عن رأي جريدة النهار الكويتية

عرض التعليقات